الفضاء والطب.. نتائج واعدة لصحة الإنسان
كثيرا ما تخطر في أذهاننا تساؤلات حول الفائدة المرجوة من الرحلات الفضائية، هل كانت فقط لاستكشاف الفضاء ومعرفة ماذا يوجد وراء غلافنا الجوي؟ وهل استفدنا من هذه الرحلات في حياتنا اليومية ولو بشكل غير مباشر؟ وهل كانت هذه الاكتشافات والرحلات الفضائية تعود بالمصلحة على صحة الإنسان؟ وهل بالإمكان أن تستفيد البشرية بالفعل من الأبحاث التي تجري في الفضاء وتطبيقها على الأرض؟
منذ بداية انطلاق الرحلات الفضائية المأهولة، والأبحاث تجري بشكل مستمر على رواد الفضاء لمعرفة كيفية تأثير الفضاء الخارجي وانعدام الجاذبية الأرضية على صحة الإنسان، وتعد محطة الفضاء الدولية مختبرا فريدا من نوعه، حيث دعمت أبحاثا كثيرة وفرت لنا فهما أفضل لجوانب متعددة عن صحة الإنسان، بما في ذلك الشيخوخة والأمراض والآثار البيئية فضلا عن السعي لدعم صحة رواد الفضاء.
وأسفرت هذه الدراسات والأبحاث عن نتائج مهمة ومفيدة تمكننا من الاستفادة منها وتطبيقها في الأرض أيضا، فعلى سبيل المثال، فإن تحديد التغييرات التي تحدث للجهاز المناعي للإنسان في الفضاء يوفر وسيلة لتطوير إجراءات مضادة للتأثيرات الضارة في الفضاء، بالإضافة إلى توفير معلومات إضافية للعلاجات المستهدفة على الأرض لتطوير الأدوية التي يمكن أن تساعد في إدارة أمراض المناعة الذاتية أو زراعة الأعضاء للبشر.
كما استثمرت الرحلات الفضائية حالة انعدام الجاذبية لدراسة العلوم الفسيولوجية الأساسية، والسعي لإيجاد طرق جديدة للتخفيف من هشاشة وترقق العظام، وتقنيات التئام الجروح الحديثة، كما أدى تقييم تفاعلات حركة العين لرواد الفضاء قبل وبعد الرحلة إلى تشخيص وعلاج أسرع وأقل تكلفة للمرضى الذين يعانون من الدوار والدوخة واضطرابات التوازن.
ولا تقتصر الاستفادة من هذه الدراسات على فهم ودعم صحة الإنسان، بل نتج عنها أيضا تقنيات وأجهزة حديثة ومبتكرة تساعد في التشخيص والعلاج، ومن هذه التقنيات استخدام تقنية الروبوتات في محطة الفضاء الدولية في التجارب السريرية لعلاج سرطان الثدي، من خلال توفير دقة وبراعة عاليتين وبأدنى حد من التدخل الجراحي، وكذلك استخدام تقنية الروبوتات لإجراء الجراحة داخل أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي، مما يسهل إجراء العمليات الجراحية لأورام المخ، كما استخدمت تقنية جديدة تم تطويرها في محطة الفضاء الدولية بهدف تتبع عين المريض في الأرض وإجراء جراحة لتصحيح بصره.ومن المقطوع به أن توفر الرعاية الطبية السريعة والفعالة يعد مفتاح الحل لإبقاء الحالات الصحية الطارئة على قيد الحياة بإذن الله، ومن المهم جدا تشخيص المريض بشكل سريع ودقيق لضمان تقديم العلاج المناسب له، وبالنسبة لرواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية والتي تسبح في مدارها على ارتفاع 400 كيلومتر تقريبا فوق سطح الأرض، تم تصميم وتطوير طريقة التشخيص المتقدم للموجات فوق الصوتية في منطقة الجاذبية الصغرى (ADUM) لتشخيص رواد الفضاء.
كما يتم تدريب رواد الفضاء على إجراء الفحص على زملائهم في حالة حدوث المشاكل الصحية لهم في الفضاء أو تعرضهم لحالات الإصابة، والآن يتم تكييف هذه التقنية لاستخدامها مع الأشخاص في المناطق النائية على الأرض، كذلك يتم استخدام وحدات الموجات فوق الصوتية مع توجيه وتدريب الخبراء عن بعد، مما يساعد على تمكين مقدمي الرعاية الصحية المحليين للقيام بمهامهم، وإمكانية الوصول إلى رعاية تشخيصية للمرضى في الوقت المناسب.
هذه مجرد أمثلة قليلة على الفوائد التي تم اكتسابها من الدراسات والأبحاث الكثيرة التي أجريت في محطة الفضاء الدولية، أثناء دورانها في مدارها حول الأرض حيث انعدام الجاذبية، من أجل صحة الإنسان والاستفادة منها سواء لرواد الفضاء خلال رحلاتهم في الفضاء، أو لصحة الإنسان على الأرض.